السبت، 27 نوفمبر 2010

نبتة الحنظل


لازلت أحدق في المرآة ولكنني لا أرى شيئاً غير شبح جسد قد تآكل عبر الزمن كان هذا الجسد فيما مضى حالة من الأفراح تغدو البسمة حيث يغدو وتروح الضحكة حيث يروح .. كنت ملاكاً يمشى على الأرض لا يتذوق طعم الأحقاد ولا يعرف معنىً للأحزان ..كنت المحبوب الأوحد .. كنت المدلل الذي لا يفوقه أحد في دلاله .. وإذا بقلبى قبل عشرون عاماً مضت يبدء في التآكل وروحى في التيه ما بين عمر سعيد مضى ومستقبل مبهم لا آمن غدره حينما حدثت تلك الحادثة التي لا يمكن أن أنساها قط .. تلك الحادثة التي قتلت مُقل عيونى .. أبى .. أمى .. حتى تلك الفتاه التي كنت ألعب معها الألعاب الطفوليه مثل فتحى يا وردة وعروسة وعريس والتي لطالما كنت أعشق اللهو معها .. ومع أننى الوحيد الذي نجا من شبح الموت .. إلا أن شبح العجز تمكن منى حتى جعلنى أنا نفسى شبح في عيون من يرانى .. أصبحت شيئاً تزدريه العيون حتى عيون من أحبونى منذ أن أصبحت ذا عاهة .. الكل أشعل نار الحزن الدفين في قلبى بتجاهلهم لى أو بنظرة الشفقة تلك التى تقتلنى دوماً .. كنت أول من يطلب الأطفال منه أن يلعب معهم .. ولكننى الآن أشاهدهم من بعيد ولا يلقون لى بالاً .. أصبحت كمثل نبتة الحنظل فى ظل شجرات الفاكهة .. بدأت في الانطواء على نفسى وإخفاء قلبى المحطم عن كل العيون الناظرة إلي بنظرة العطف .. تلك النظرة التي أكرهها .. والتي تطاردنى حيثما كنت .. تعبث بمشاعرى .. تقتل نبض قلبى .. حتى أننى بهد أعوام مضت عرف الحب طريقه إلى قلبى الكسير.. فأحببت فتاة فى مثل عمرى.. فقررت أن أحطم عجزى  وأن أخطو بعكازي على ما مضى من فشل في التعامل مع نظرات الناس القاتلة وعزمت على أن أخبرها بمشاعرى الدفينة .. فاقتربت منها وأخبرتها بكل بساطة العاشقين عن حبى لها ومدى شوقى لأن تبادلنى المشاعر ذاتها فما كان منها إلا أن واجهتني بقولها :
-       بص لنفسك في المرايا
     فبدأت أحدق في المرآة ولكنني لم أرى سوى بعض بقايا إنسان قد تآكلت عبر الزمن .. وحتى الآن لا أرى سوى هذا الشبح.
تأليف/ محمد أنور أبوزكرى


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق